الأحد، 28 سبتمبر 2008

وحيدة مع الذكريات ...


منذ يومين ساقننى قدمى الى منزل احدى عماتى ... سيدة فى خريف العمر .

اشعر بالراحة التامة عندما أتحدث معها ... اخبرها بكل مايجول بخاطرى .. ورغم علمى التام انها لا تدرك مااتحدث به اليها

فهى سيدة عجوز .. مثل كل امهاتنا القدامى فى بلدتى .. الذين لم ينالوا حقهم فى التعليم .. لا تجد الفطره اى مكان تحتمى فيه من غوغاء القشور الحضاريه الزائفه الا بداخلهم ... لاتصدر منهم اصوات الا الدعاء لك او ابتسامه خضراء تبث بداخلك الحياه وتقتل بداخلك الاستياء

.. الا ان زيارتى لها تلك المره كان لها داعى . فقد توفى زوجها فى اثناء غيابى عن بلدتى .. ولم اتمكن من الحضور لاكون بجوارها .

فذهبت اليها عند وصولى لاطمئن عليها وعلى احوالها ..

فتحت لى باب المنزل واخذتنى بالاحضانها التى بمجرد ان تلامس جسدك , تجدك انسان على حقيقتك , بكل ضعفك وحيرتك .. يتحطم تماسكك فى الحياه وتعود كما كنت .. انسان ضعيفا لايملك الا البكاء بين تلك الأحضان ....

وجدتها تجلس لوحدها فى المنزل بعد فراق زوجها وانشغال ابنائها عنهم فى الحياه .. جلست بجوارها اسألها عن احوالها .

لم تنطق سوى بالحمد لله . تغيب بخاطرها عنى لدقائق تتامل جدران المنزل ...

صوت زوجها الذى كان يجالسها المكان .. تبتسم لحظات .. ثم تعود لحزنها .. تراه وكانه يحيط بالمكان .. وصوته يدق جدران المنزل

تفيق من غيابها عندما تستشعر بوجودى بجانبها اتاملها .. لتسالنى عن احوالى , ثم تعود الى مرافقة ذكرياتها ..

لم ارى كيف يرسم الحزن قسمات على الوجه تغير ملامح الانسان الى النقيض الا معها ..

حاولت ان اخرجها من حالتها .. فقلت لها ( وحشنى الشاى الجميل بتاعك ) ..

فتبسمت لى بمجامله وكانها مشقه عليها ان تبتسم وقالت ( عنيا ليك ياحبيبى .. ثوانى واعملك الشاى )

قامت لكى تعد لى الشاى وجلست انا وحدى .. يعتصرنى الحزن من اجلها , افكر بحالها وكيف تمر بها الأيام .. اشعر بمصارعتها لعقارب الساعه .. التى عندما تدق كانها تعلن عن نهايه ساعه من الحزن , وابتداء ساعه اخرى للحزن ..

غابت عنى لمدة الساعة ,فشعرت بالقلق عليها . حتى قمت لاطمئن عليها .. فوجدتها تجلس على احدى الكراسى الموضوعة فى المطبخ

تكلم نفسها وكانها تتحدث الى زوجها الراحل , تتمتم بعض الكلمات التى لا افهمها ثم تعود لتقول ( حاضر ياحاج .. هااقوم احضر لك العشا .. انت شكلك جاى من الغيط تعبان ) ثم تعود لتقول ( مش الواد ابراهيم اتعارك مع مراته امبارح وجت تشكى لى منه .. انت فين ياحاج ) ... ثم التفت الى براد الشاى الموضوع على الموقد لاجدها انها نسيت ان تشعل عليه النار .. لم اجد ماافعله لها وانا فى حاله يرثى لها من اجلها .. فاأنا اعلم ان مذاق الفراق لايمكن تحليته .. انسحبت خارجا من المنزل ولم استطع ان اودعها حتى لا اقاطعها مع ذكرياتها

اغلقت الباب من خلفى واستدرت اليه وعينى قد لاحقتها الدموع مودعا المنزل .. ذلك المنزل التى تسكنه امراة وحيدة مع الذكريات .....



هناك 9 تعليقات:

shimaa يقول...

لماذا يصر الفراق ان ياخذ منا أحبابنا عنوة بشتى الطرق
ولماذا عندما يحوطنى يشمملنى فلا أجد له مفر

لا اتخيل حال تلك السيدة التى عاشت عمرها مع رفيق لها بدرب الحياة ذاقت معه الكتير وعايشت معه الأحلام وحبو الأولاد وتربيتهم والفرحة بهم

والآن تترك وحيدة بلا رفيق ولا انيس وهى بعمر أشد ما يكون الى من يكون الى جوارها

اوجعت لى قلبى
لكن البوست رائع ولم كل تلك الغيبة؟

دمت بخير ان شاء الله

salwa يقول...

السلام عليكم اخ هاني
ادراج رائع يطرح مشكلة الكثيرين....
يجب ان يحرص الابناء على هذا الامر
لان دورهم سياتي في يوم من الايام
شكرا لك
سلام

قديسك مولاتى يقول...

شيماء طلعت
اسف على كل تلك الغيبه . فقد كنت فى مهمه وانتهيت منها والحمد لله وهى التى جعلتنى اتغيب عن المدونه
شكرا لمرورك على المدونه وسؤالك عن غيابى .. واسعدنى احساسك بما كتبته
دومت لى صديقه للمدونه

قديسك مولاتى يقول...

salwa
شكرا على مرورك
ومن الجيد شعورك بتلك المشكله ورؤيتك لها من الجانب الاخر ... وهو دور الابناء فى حماية الاباء من الوحده والزمن ..
دومت صديقه للمدونة

canary يقول...

البقاء لله
لكن الحزن يسكن كل القلوب دائما حتى فى لحظات سعادتنا ودة طبع فى المصريين عموما فتشعر معه بأنه شعب يهوى الحزن ويشتاق له لكن الحاجه عمتك الاكيد انها تبكى فراق عشرة عمرها
تبكى الانيس والصحبه
فالوفاء لم يعد له وجود الا فى قلوب جداتنا وأهلنا القدامى
لها الله وألهمها الصبر

قديسك مولاتى يقول...

كنارى
على الرغم من قسوة الفراق الا اننى
قد ارى احيانا ان الفراق له مزايا
فمن تذوق الفراق مرة اعتاد عليه
وهل هناك مصيبة قد تصيب اى انسان اكبر من فقدانة لعشرة العمر ورفيق دربه فى الحياة
ولاننا لا نخلوا من الفراق فستكون فى المرات القادمة اقل شدة وتاثيرا فى القلب .. ربما تكون تلك الفكرة غريبة الا اننى اعتنق تلك الفكرة لاننى واحد ممن تذوقوا الفراق وبشده

Beram ElMasry يقول...

اخى . على بك عبدالله
امرك ماشى على عينى وعلى راسى بس يبقى ايه
ابها القديس المدهول اجهدنى قراءة الخط البيج على خلفية سوداء
ارحم ضعاف البصر مثلى لانه من حقنا ان نستمتع بما تكتب
اسعدتنى فلا تبخل بمعاودة الزيارة وكل ثلاثاء عندى حديد
والسلام

Beram ElMasry يقول...

معذرةعلى الخطا فى ادخال اسم اخر فى التعليق اعلاه

قديسك مولاتى يقول...

ماشى ياعم بيرم
معلش ماعملتش حسابى فى موضوع لالوان
اصلى ماعرفش انى كايكون من زوار المدونة بتاعتى ناس كبيرة كده
وعشان خاطرك بس المرة الجاية هااحللك المشكلة دى
اسعدتنى زيارتك